الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآية رقم (101): {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)}قال سبحانه وتعالى: {وممن حولكم من الأعراب منافقون} ذكر جماعة من المفسرين المتأخرين كالبغوي والواحدي وابن الجوزي أنهم من أعراب مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم وكانت منازلهم حول المدينة ويعني ومن هؤلاء الأعراب منافقون وما ذكروه مشكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهؤلاء القبائل ومدحهم فإن صح نقل المفسرين فيحمل قوله سبحانه وتعالى: {وممن حولكم من الأعراب منافقون} على القليل لأن لفظة من للتبعيض ويحمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم على الأكثر والأغلب وبهذا يمكن الجمع بين قول المفسرين ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم. وأما الطبري، فإنه أطلق القول ولم يعين أحداً من القبائل المذكورة بل قال في تفسير هذه الآية: من القوم الذين حول مدينتكم أيها المؤمنون من الأعراب منافقون ومن أهل مدينتكم أيضاً أمثالهم أقوام منافقون وقال البغوي: {ومن أهل المدينة} من الأوس والخزرج منافقون {مردوا على النفاق} فيه تقديم وتأخير تقديره وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق يعني مرنوا عليه يقال تمرد فلان على ربه إذا عتا وتجبر ومنه الشيطان المارد وتمرد في معصيته أي مرن وثبت عليها واعتادها ولم يتب منها قال ابن إسحاق: لجوا فيه وأبو غيره. وقال ابن زيد: أقاموا عليه ولم يتوبوا منه {لا تعلمهم} يعني أنهم بلغوا في النفاق إلى حيث أنك لا تعلمهم يا محمد مع صفاء خاطرك واطلاعك على الأسرار {نحن نعلمهم} يعني لكن نحن نعلمهم لأنه لا تخفى علينا خافية وإن دقت {سنعذبهم مرتين} اختلف المفسرون في العذاب الأول مع اتفاقهم على العذب الثاني هو عذاب القبر بدليل قوله: {ثم يردون إلى عذاب عظيم} وهو عذاب النار في الآخرة فثبت بهذا أنه سبحانه وتعالى يعذب المنافقين ثلاث مرات مرة في الدنيا ومرة في القبر ومرة في الآخرة أما المرة الأولى وهي التي اختلفوا فيها فقال الكلبي والسدي «قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في يوم جمعة فقال اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرج من المسجد أناساً وفضحهم» فهذا هو العذاب الأول.والثاني: هو عذاب القبر لإن صح هذا القول فيحتمل أن يكون بعد أن أعلمه الله حالهم وسماهم له لأن الله سبحانه وتعالى قال لا تعلمهم نحن نعلمهم ثم بعد ذلك أعمله بهم. وقال مجاهد: هذا العذاب الأول هو القتل والسبي وهذا القول ضعيف، لأن أحكام الإسلام في الظاهر كانت جارية على المنافقين فلم يقتلوا ولم يسبوا وعن مجاهد رواية أخرى أنهم عذبوا بالجوع مرتين. وقال قتادة: المرة الأولى هي الدبيلة في الدنيا وقد جاء تفسيرها في الحديث بأنها خراج من نار تظهر في أكتافهم حتى تنجم من صدورهم يعني تخرج من صدورهم. وقال ابن زيد: الأولى هي المصائب في الأموال والأولاد في الدنيا والأخرى عذاب القبر. وقال ابن عباس: الأولى إقامة الحدود عليهم في الدنيا والأخرى عذاب القبر. وقال ابن إسحاق: الأولى هي ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ودخولهم فيه كرهاً غير حسبة والأخرى عذاب القبر. وقيل: إحداهما ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم، والأخرى عذاب القبر. وقيل: الأولى إحراق مسجدهم مسجد الضرار، والأخرى إحراقهم بنار جهنم وهو قوله سبحانه وتعالى: {ثم يردون إلى عذاب عظيم} يعني عذاب جهنم يخلدون فيه..تفسير الآية رقم (102): {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)}قوله عز وجل: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} فيه قولان: أحدهما: أنهم قوم من المنافقين تابوا من نفاقهم وأخلصوا وحجة هذا القول أن قوله تعالى وآخرون عطف على قوله وممن حولكم من الأعراب منافقون والعطف موهم ويعضده ما نقله الطبري. عن ابن عباس أنه قال: هم الأعراب. والقول الثاني: وهو قول جمهور المفسرين إنها نزلت في جماعة من المسلمين من أهل المدينة تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ثم ندموا على ذلك.واختلف المفسرون في عددهم فروي عن ابن عباس أنهم كانوا عشرة منهم أبو لبابة وروي أنهم كانوا خمسة أحدهم أبو لبابة وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم كانوا ثمانية أحدهم أبو لبابة وثقال وقال قتادة والضحاك: كانوا سبعة أحدهم أبو لبابة. وقيل: كانوا ثلاثة: أبو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام، وذلك أنهم كانوا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ثم ندموا بعد ذلك وتابوا وقالوا أنكون في الظلال ومع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد واللأواء؟ فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره وقرب من المدينة قالوا: والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا فربطوا أنفسهم في سواري المسجد فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بهم فرآهم فقال: «من هؤلاء»؟ فقالوا: هؤلاء الذين تخلفوا عنك فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أومر بإطلاقهم»، ورغبوا عني وتخلفوا عن الغزوة مع المسلمين. فأنزل الله عز وجل هذه الآية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فأطلقهم وعذرهم فلما أطلقوا قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك خذها فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً» فأنزل الله: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم الآية. وقال قوم: نزلت هذه الآية في أبي لبابة خاصة واختلفوا في ذنبه الذي تاب منه فقال مجاهد: نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة: إن نزلتم على حكمه فهو الذبح وأشار إلى حلقه فندم على ذلك وربط نفسه بسارية. وقال: والله لا أحل نفسي ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليّ فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه، فإنزل الله هذه الآية فقيل له قد تيب عليك فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحله بيده فقال أبو لبابة: يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال يجزيك الثلث يا أبا لبابة.قالوا جميعاً فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث أموالهم وترك لهم الثلثين لأن الله سبحانه وتعالى قال: {خذ من أموالهم} ولم يقل خذ أموالهم. لأن لفظة {من} تقتضي التبعيض. وقال الحسن وقتادة: وهؤلاء سوى الثلاثة الذين تخلفوا وسيأتي خبرهم.أما تفسير الآية: فقوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال أهل المعاني: الاعتراف عبارة عن الإقرار بالشيء ومعناه أنهم أقروا بذنبهم وفيه دقيقة وهي أنهم لم يعتذروا عن تخلفهم بأعذار باطلة كغيرهم من المنافقين ولكن اعترفوا على أنفسهم بذنوبهم وندموا على ما فعلوا.فإن قلت: الاعتراف بالذنب هل يكون توبة أم لا؟قلت: مجرد الاعتراف بالذنب لا يكون توبة فإذا اقترن الاعتراف بالندم على الماضي من الذنب والعزم على تركه في المستقبل يكون ذلك الاعتراف والندم توبة.وقوله سبحانه وتعالى: {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} قيل: أراد بالعمل الصالح إقرارهم بالذنب وتوبتهم منه والعمل السيئ هو تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: العمل الصالح هو خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سائر الغزوات والسيئ هو تخلفهم عنه في غزوة تبوك. وقيل: إن العمل الصالح يعم جميع أعمال البر والطاعة والسيئ ما كان ضده فعلى هذا تكون الآية في حق جميع المسلمين والحمل على العموم أولى وإن كان السبب مخصوصاً بمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.وروى الطبري عن أبي عثمان قال ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم.فإن قلت قد جعل كل واحد من العمل الصالح والسيئ مخلوطاً فما المخلوط به.قلت: إن الخلط عبارة عن الجمع المطلق فأما قولك خلطته فإنما يحسن في الموضع الذي يمتزج كل واحد من الخليطين بالآخر ويتغير به عن صفته الأصلية كقولك خلطت الماء باللبن وخلطت الماء واللبن فتنوب الواو عن الباء فيكون معنى الآية على هذا خلطوا عملاً صالحاً بآخر ذكره غالب المفسرين وأنكره الإمام فخر الدين الرازي. وقال: اللائق بهذا الموضع الجمع المطلق لأن العمل الصالح والعمل السيئ إذا حصلا معاً بقي كل واحد منهما على حاله كما هو مذهبنا فإن عندنا القول بالإحباط باطل فالطاعة تبقى موجبة للمدح والثواب والمعصية تبقى موبجة للذم والعقاب فقوله سبحانه وتعالى خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيه تنبيه على نفي القول بالمحابطة وأنه بقي كل واحد منهما كما كان من غير أن يتأثر أحدهما بالآخر فليس إلا الجمع الملطق.وقال الواحدي: العرب تقول خالطت الماء باللبن وخلطت الماء واللبن كما تقول جمعت زيداً وعمراً. والواو في الآية أحسن من الباء لأنه أريد معنى الجمع لا حقيقة الخلط. ألا ترى أن العمل الصالح لا يختلط بالسيئ كما يختلط الماء باللبن لكن قد يجمع بينهما وقوله سبحانه وتعالى: {عسى الله أن يتوب عليهم} قال ابن عباس وجمهور المفسرين: عسى من الله واجب والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى: {فعسى الله أن يأتي بالفتح} وقد فعل ذلك. وقال أهل المعاني: لفظة عسى هنا تفيد الطمع والإشفاق لأنه أبعد من الاتكال والإهمال.وقيل: إن الله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بل كل ما يفعله على سبيل التفضل والتطول والإحسان فذكر لفظة عسى التي هي للترجي والطمع حتى يكون العبد بين الترجي والإشفاق ولكن هو إلى نيل ما يرجوه منه أقرب لأنه ختم الآية بقوله: {إن الله غفور رحيم} وهذا يفيد إنجاز الوعد..تفسير الآية رقم (103): {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}قوله سبحانه وتعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. قال ابن عباس: لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وصاحبيه انطلق أبو لبابة وصاحبة فأتوا بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: خذ أموالنا وتصدق بها عنا وصل علينا يريدون استغفر لنا وطهرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا آخذ شيئاً منها حتى أومر به»، فأنزل الله عز وجل: خذ من أموالهم صدقة الآية، وهذا قول زيد بن أسلم وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك. ثم اختلف العلماء في المراد بهذه الصدقة فقال بعضهم: هو راجع إلى هؤلاء الذين تابوا وذلك أنهم بذلوا أموالهم صدقة فأوجب الله سبحانه وتعالى أخذها وصار ذلك معتبراً في كمال توبتهم لتكون جارية مجرى الكفارة. وأصحاب هذا القول يقولون ليس المراد بها الصدقة الوجبة. وقال بعضهم: إن الزكاة كانت واجبة عليهم فلما تابوا من تخلفهم عن الغزوة وحسن إسلامهم وبذلوا الزكاة أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منهم وقال بعضهم إن الآية كلام مبتدأ والمقصود منها إيجاب أخذها من الأغنياء ودفعها إلى الفقراء وهذا قول أكثر الفقهاء واستدلوا بها على إيجاب أخذ الزكاة.أما حجة أصحاب القول الأول، فإنهم قالوا: إن الآيات لابد وأن تكون منتظمة متناسبة فلو حملناها على أخذ الزكاة الواجبة، لم يبق لهذه الآية تعلق بما قبلها ولا بما بعدها. ولأن جمهور المفسرين ذكروا في سبب نزولها أنها نزلت في شأن التائبين وأما أصحاب القول الأخير فإنهم قالوا: المناسبة حاصلة أيضاً على هذا التقدير وذلك أنهم لما تابوا وأخلصوا وأقروا أن السبب الموجبة للتخلف وحب المال أمروا بإخراج الزكاة التي هي طهرة فلما أخرجوها علمت صحة قولهم وصحة توبتهم. ولا يمنع من خصوص السبب عموم الحكم فإن قالوا: إن الزكاة قدر معلوم لا يبلغ ثلث المال وقد أخذ منهم ثلث أموالهم قلنا: لا يمنع هذا صحة ما قلناه لأنهم رضوا ببذل الثلث من أموالهم فلأن يكونوا راضين بإخراج الزكاة أولى. ثم في هذه الآية أحكام: الأول قوله سبحانه وتعالى: {خذ من أموالهم صدقة} الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أي خذ يا محمد من أموالهم صدقة فكان النبي صلى الله عليه وسلم وتعالى: يأخذها منهم أيام حياته ثم أخذها من بعده الأئمة فيجوز للإمام أو نائبه أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويدفعها إلى الفقراء.الحكم الثاني: قوله {من أموالهم}، ولفظة {من} تقتضي التبعيض وهذا البعض المأخوذ غير معلوم ولا مقدر بنص القرآن فلم يبق إلا الصدقة التي بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرها وصفتها في أخذ الزكاة.الحكم الثالث: ظاهر قوله {خذ من أموالهم صدقة} يفيد العموم فتجب الزكاة في جميع المال حتى في الديون وفي مال الركاز.الحكم الرابع: ظاهر قوله: {تطهرهم} أن الزكاة إنما وجبت لكونها طهرة من الآثام وصدور الآثام لا يمكن حصولها إلا من البالغ دون الصبي فوجب أن تجب الزكاة في مال البالغ دون الصبي وهذا قول أبي حنيفة ثم أجاب أصحاب الشافعي: بأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقاً.وللعلماء في قوله سبحانه وتعالى: {تطهرهم} أقوال:الأول: أن معناه خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بأخذها من دنس الآثام.القول الثاني: أن يكون تطهرم متعلقاً بالصدقة تقديره خذ من أموالهم صدقة فإنها طهرة لهم وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة من أوساخ الناس فإذا أخذ الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ وكان ذلك الاندفاع جارياً مجرى التطيهر: فعلى هذا القول يكون قوله سبحانه وتعالى وتزكيهم بها متقطعاً عن قوله تطهرهم ويكون التقدير: خذ يا محمد من أموالهم صدقة تطهرهم تلك الصدقة وتزكيهم أنت بها.القول الثالث: أن تجعل التاء في قوله تطهرهم وتزكيهم ضمير المخاطب ويكون المعنى تطهرهم أنت يا محمد بأخذها منهم وتزكيهم أنت بواسطة تلك الصدقة.القول الرابع: أن معناه تطهرهم من ذنوبهم وتزكيهم يعني ترفع منازلهم عن منازل المنافقين إلى منازل الأبرار المخلصين وقيل معنى وتزكيهم أي تنمي أموالهم ببركة أخذها منهم.الحكم الخامس: قوله سبحانه وتعالى: {وصل عليهم} يعني ادع لهم واستغفر لهم لأن أصل الصلاة في اللغة الدعاء. قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق فيقول: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت. وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمتصدق. وقال بعضهم: يستحب ذلك. وقيل: يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع. وقيل: يجب على الإمام ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي. وقال بعضهم: يستحب أن يقول اللهم صلِّ على فلان. ويدل عليه ما روي عن بعد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: «اللهم صلِّ عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى» أخرجاه في الصحيحين.وقوله سبحانه وتعالى: {إن صلاتك} وقرئ: {صلواتك} على الجمع {سكن لهم} يعني إن دعاءك رحمة لهم. وقال ابن عباس: طمأنينة لهم. وقيل: إن الله قد قبل منهم. وقال أبو عبيدة: تثبيت لقلوبهم. وقيل: إن السكن ما سكنت إليه النفس والمعنى إن صلواتك توجب سكون نفوسهم إليها والمعنى أن الله قد قبل توبتهم أو قبل زكاتهم {والله سميع} يعني لأقوالهم أو لدعائك لهم {عليم} يعني بنياتهم.
|